التقيت ليلة البارحة بأحد الاصدقاء الذي لم التقي به منذ ما يزيد عن 16 عاما. كان اللقاء جميلا وقصيرا ذكر لي بانه يعشق السفر حول العالم ولكنه لم يخض غمار تلك التجربة، وانه مولع بمشاهدة مباريات كرة القدم ولكنه لا يمارس الرياضة، وأنه يحب صيد السمك ولكنه لا يعلم كيف يصيد السمكة، وانه يرغب في التخييم في الجبال الخضراء وتسلقها و السير في سهولها الجميلة ولكنه لم تتح له الفرصة للقيام بذلك بعد، وايضا ذكر لي بانه يحب قراءة كتب الفلسفة والخيال العلمي ولكنه لم يقراء مؤلفاتها....بالاضافة الى العديد من الاشياء الجميلة الاخرى.
تلك العبارات المتناقضة التي ذكرها صديقي دفعتني الى محولة حل تلك الألغاز والتطفل عليه بسوالي له: ومالذي يمنعك من القيام بكل ما ذكرت؟
كان لومه وعتبه على عادة (التسويف) والتأجيل والتي بدورها دفعته الى التنازل عن تحقيق كثير من تلك الأمنيات والرغبات والاهداف. تأملت كلام صديقي فوجدته منطقيا حيث ان افة التسويف تعصف بكل ما نحب ونريد تحقيقه في هذه الحياة من خلال تأخيرها الى وقت اخر يصعب علينا تحقيقها والقيام بها مما يدفعنا الى التخلي عنها وعن جزء كبير من سعادتنا وهو بدوره يولد لدينا شعور بالإحباط والقلق والانهزام والانكسار والتشائم وكثرة التذمر والغضب.
وفي دراسة قامت بها جامعة دلوير في عام 2013 والتي اشير اليها في أحدى مقالات الكاتب براندون قيلي أشارت الى ان نسبة التأجيل والتسويف بين سكان الكرة الارضية ارتفع في الفترة ما بين 1978 و 2013 من 5% إلى 26% وهذا يعني ان ما يزيد عن ربع البشر يعانون من عادة التسويف، وبحسبة اخرى فإن 1 من كل 5 افراد يخسرون فرص سانحة لتحقيق رغباتهم واهدافهم سواء اكانت وظيفية او مالية او اجتماعية. بالاضافة الى ان الدراسة اشارت الى أن 95% من جيل الشباب في المرحلة العمرية ما بين 17 و 25 عام يعانون ايضا من عادة التسويف والتأجيل لاهدافهم الرئيسية ورغباتهم. هذه النسبة المخيفة بين شبابنا تؤثر سلبا على بقية عاداتهم الاخرى التي يتم ممارستها في تلك المرحلة العمرية والتي بدورها تؤثر على كامل مسار حياتهم وسعادتهم.
اشياء كثيرة نحبها ونرغب في القيام بها نؤجلها سنة بعد سنة حتى نموت قبل القيام بها. وفي احيان كثيرة نستخدم عادة التسويف حتى نتمكن من التحايل على انفسنا باننا سنقوم بها في وقت لاحق يكون اكثر ملائمة لاننا مشغولون او متشاغلون. بينما الحقيقة المرة هي اننا نهدر قدرا كبير من أوقاتنا بعلمنا أو بغير علمنا في عادات واعمال وسلوكيات جانبية ليست عاملا رئيسيا في سعادتنا بينما نأجل ونسوف تلك الاعمال والرغبات الهامة والتي بدورها تكون اكثر تأثيرا في حياتنا وسعادتنا.
ولن تستطيع عزيزي القارئ التخلص من عادة التسويف حتى تدرك قيمة الوقت واهميته، وتعلم ان عمرك كذرات الذهب تتساقط منك يوميا، وقد تحدثت عن الوقت واهميته في مقال سابق بعنوان (عمرك في يومك) ابحث عنه في محرك البحث قوقل.
د. فهد الفيفي