الثلاثاء، 12 أبريل 2016

"قانون إسثمار الطاقة البشرية"



مع نهاية الاسبوع الماضي، بدائت في التخلص من بعض قطع الاثاث القديمة والتي لم أعد في حاجة لها. كان من بين تلك القطع جهاز ركض (سير) اشتريته قبل حوالي السنة. لا أذكر انني ركضت عليه إلا فترات قليلة ومتقطعة لا تزيد عن ساعة من الزمن، وفي جميع الحالات مجبر (من غير نفس).
وعندما اقارن ما اقوم به عند السفر الى إحدى المدن السياحية، فانا اقوم بالمشي ربما 6 ساعات متواصلة من دون تعب او كلل او ملل، بل ربما أنني على استعداد ان اتحمل التعب والالم من اجل مواصلة السير.
الفرق بين الحالتين هو ان الحالة الاولى مصطنعة ونفرضها على انفسنا بالقوة، بحيث يكون جل اهتماما على تأدية العمل كعمل ومن ثم الانتقال لما هو محبب للقلب والنفس. اما في الحالة الثانية، فهي غير مصطنعة بل هي محببة للنفس مع توفر الفرصة و القدرة.
الحالتين السابقتين تم إستخدامها كمقدمة لما اريد الحديث عنه وهو ماحدث معي يوم أمس عندما زارني في مكتبي أحد الطلبة السعوديين الدارسين في القسم الذي اعمل به، حيث قام بطلب مشورتي حول موضوع هام يرتبط بمستقبله. كان السؤال يقول: ماهو التخصص الافضل والاصلح والانسب لي حتى اقوم بالإلتحاق به؟ بلا شك مثل هذا السؤال والتسائل مرعلى كثير منا قبل الدخول والالتحاق بالبيئة الاكاديمية...اليس كذلك!!
ولكي نستطيع إفادة مثل هذا السائل وأمثاله من أبناء هذا الجيل، كان لزاما علينا ان ندرك عدة امور هامة وعلى رئسها الاحصاءات التي تقول بأن ما نسبته 46% من خريجي الجامعات الأمريكية يعملون في مهن ليس لها علاقة بدراستهم الجامعية. وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أن ذلك الطالب او الطالبة قد أقدم على قرار خاطئ بأختياره لتخصص أكاديمي لا ينتمي له ولن يستطيع الابداع التميز من خلاله، ونتيجة لهذه الاخطاء الكارثية من قبل ابناءنا وبناتنا واخص هنا وبالتحديد خريجي المرحلة الثانوية، والتي بدورها تؤدي إلى حدوث هدر كبير للعقول والطاقات البشرية التي كان بالإمكان الاستفادة منها بشكل افضل لو ادرك هؤلاء الطلاب والطالبات القانون المنطقي والذي اطلقت عليه "قانون إستثمارالطاقة البشرية".
ينبني هذا القانون على ثلاث معايير رئيسية. حيث يجب على كل إنسان يرغب بأن يكون مبدعا ومتميزا في مجال عملة وتخصصة ودراسته ان تتوفر لديه هذه المعايير الاساسية. وهذه المعايير الثلاثة هي كالتالي:
اولا: المحبة
لا تدرس ولا تعمل في مجال لا تحبه وتعشقة إذا كنت تسعى وتطمح إلى التميز والإبداع. نعم هناك خلق كثير يدرس ويعمل في مجال لا يحبه ومثل هؤلاء ينتجون ولكن لا يبدعون. وهذا هو الفرق الجوهري والكبير ما بين النوعين (الابداع والتميز – مقابل – الانتاج فقط).
قد يتسائل الكثير، وكيف اتعرف واكتشف رغبتي تجاه تخصص عن اخر؟
الأجابة هي أنه لابد من الاطلاع والممارسة لتخصصات متعددة ومختلفة لإكتشاف ميولك ورغباتك الحقيقية. لانه في كثير من الاحيان تظهر هناك رغبات عابرة وقد تكون خادعة مظللة، او مبنية على إقتراحات أو توصيات من الاقارب او الاصحاب. وعليه فيجب البحث الجاد والقراءة المتأنية حتى يتم أتخاذ القرار الصائب. وفي كثير من الدول المتقدمة يتم إعطاء وتزويد الطالب والطالبة في السنتين الاخيرتين من المرحلة الثانوية وما قبل الجامعية بمواد تسمى ( Exploratory Coerces ) – مواد استكشافية. تكون في تخصصات وموضوعات مختلفة مثل الاقتصاد و الادارة والسياسة و الفلسفة و الطب ...الخ. بحيث يتعرف الطالب من خلالها على رغباته وميوله الحقيقي تجاه تخصص عن اخر.
أما في حالة تعذر امام الطالب وجود مثل هذه المناهج خلال دراستة للمرحلة الثانوية، فهنا يجب عليه الإطلاع بنفسة على كتب لها علاقة بتخصصات مختلفة ومتنوعة. وانصح دائما بالبداء بقراءة الكتب التي تكون بعنوان (مقدمة في علم ....). حيث انها في الغالب تكون كتب مبسطة ومختصرة ومركزة، وهذا النوع من الكتب يطلق عليها في اللغة الانجلزية بالـ ( dummies books ).
المعيار الثاني: الفرصة
اذا توفر المعيار الاول والذي هو يدور حول المحبة فهذا رائع ولكن لن يكون فعالا ونافعا مالم يتوفر المعيار الثاني والذي يدور ويتمحور حول وجود الفرصة. والمقصود بالفرصة هنا أي انك حال انتهائك من دراستك فستجد بيئة تستطيع من خلالها تطبيق ما أحببته وتعلمته وتكون على شكل فرصة عمل ممكنة، وهذا بدورة سيدر عليك المال والسعادة والاستمتاع بحياتك العملية.
فتخيل معي انك احببت ومن ثم درست هندسة البترول وانت ستعمل في دولة لا تحتوي على بترول إطلاقا. او انك احببت ودرست علم الغابات ثم قررت العمل في احدى دول الخليج العربي. في هذه الحالة فإن فرصتك في ممارسة ما أحببت وعشقت غير ممكنة، فتكون المحصلة انه لا قيمة لما أحببت وعشقت إذا لم تكن هناك فرصة واضحة وممكنة لممارسته ذلك العلم. وعليه فلابد ان تحرص على توفر معيار الفرصة لما تحب.
وهنا يتسأل الكثير، كيف أتعرف على الفرص المتاحة في سوق العمل؟
هناك عدة جهات تقوم بإصدار قوائم بالفرص الوظيفية المتاحة في سوق العمل على المدى القريب والمتوسط والبعيد، ومن اهم تلك الجهات هي وزارة التخطيط، وزارة العمل، ومراكز المعلومات في الغرف التجارية و مصلحة الإحصاءات. بالاضافة لبعض الجهات االمسؤولة عن الموارد البشرية في القطاعين الحكومي والخاص ومكاتب التوظيف.
المعيار الثالث: القدرة
لابد ان تتعرف على قدراتك الخاصة التي وهبك الله إياها بشكل طبيعي، وايضا تلك المهارات التي التي يسهل عليك اكتسابها والتي ستميزك عن أقرانك، حيث ان هناك مجالات وتخصصات لا تعتمد فقط على المحبة والفرصة بل وايضا تعتمد على تميزك بقدرات ولدت بها ومن مكوناتك الخلقية والخلقية اومهارات يسهل عليك اتقانها وتعلمها بشكل افضل واسرع من اقرانك. واقصد هنا بقدرات خاصة اي مثل قوة الذاكرة، سرعة البديهة، الشكل الجيد. اما المهارات المميزة فأقصد بها على سبيل المثال إتقان لغة أجنبية او لغات متعددة.
ولنفرض مثلا ان لدينا شاب سريع الغضب ولكن هذا الشاب يحب خدمة العملاء او التسويق، بالإضافة إلى وجود فرصة كبير للعمل في بيئة العمل المحيطة به، في هذه الحالة، فإن هذا الشاب لا يصلح ان يعمل في هذه المهنة. فلا قيمة للمحبة و الفرصة إن انعدمت القدرة على إتقان تلك المهنة في بيئة العمل.
إذا، لو نفترض انك ستعمل 8 ساعات يوميا فهذا يعني انك ستقضي ما يقارب الـ 26 عام من حياتك في بيئة العمل والثلث الأخر في النوم، فإحرص الحرص الشديد على ان تقضيها في مجال تحبه وتعشقة وتتقنة حتى تتتمكن من الإبداع والتميز. وهذا بدوره سيوفر على مجتمعنا الكثير والكثير من الهدرالكبير للعقول والطاقات والقدرات البشرية، والتي تبنا عليها الأمم وتنهض بها الشعوب.
د. فهد الفيفي


شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

افلام اون لاين