الأحد، 3 أبريل 2016

لا تحكم على الكتاب من عنوانه!




قد لا تختلف معي عندما اقول لك بأننا جميعا نرتدي اقنعة نخفي خلفها ارواحنا الحقيقية. ولكن قد نختلف في نوعية تلك الأحكام التي نطلقها على حاملي تلك الاقنعة. فتارة ستجد هناك أناس تحمل اقنعة تخفي خلفها ما قبح وشان من الصفات، وتارة تجد أناس تحمل اقنعة تخفي خلفها ما حسن وطاب من جميل الخصال والأقوال...

بالطبع، قد تختلف درجات قبولنا أورفضنا لحاملي تلك الاقنعة، وذلك بناء على ما يتناسب ورغباتنا وما نؤمن به ونستلطفه من صفات الخَلقية والخُلقية. وبالتأكيد فإن معرفتك المسبقة، وشياطين الإنس والجان، ورواسب الزمان ستلعب الدور الأكبر في إصدار تلك الأحكام، وفي كثير من الأحيان تكون عائقا وجدار يمنعك من رؤية الأخرين على حقيقتهم وفهمهم بالطريقة الصحيحة مالم تكلف نفسك عناء الإمعان الصادق المحايد والمتأني حتى تتمكن من الغوص إلى ما خلف تلك الأقنعة!!

وقد اثبتت كثير من دراسات علم النفس ان كثير من البشر بفطرتهم يطلقون الأحكام التلقائية والمسبقة على بعضهم البعض بناء على الملامح الخارجية للشخص وبالتحديد الوجة. فقد توصلت دراسة فرنسية إلى ان ملامح الشاهد الوسيم في المحاكم الفرنسية قد توحي للمحلفين في كثير من الأحيان بأنه شخص صادق ومحترم!!

وفي دراسة أخرى قدمها الدكتور وعالم النفس ميكل غالتر من جامعة كارولينا -  اثبت بأننا نطلق احكام مسبقة على البشر بمجرد النظر الى شكلهم الخارجي، فمثلا: الرجل الاصلع يوحي لنا بالذكاء والالتزام، اما الرجل الملتحي فيوحي لنا بالوقار والهدوئ، وأما الرجل المتبسم فيوحي لنا بالراحة والطمئنية، وأما الرجل صاحب العينين الواسعتين فيوحي لنا بالطيبة والنزاهة اكثرمن غيرة من اصحاب العيون الصغيرة !!

بكل تأكيد ان الاكتفاء بهذه المعايير السابقة الذكرغير كافية لإطلاق الاحكام النهائية على البشر. وقد تلاحظ معي اننا كثير ما نتورط في المظهر واصدار الاحكام من اول لقاء، فنندفع ونتهور في احكامنا على البشر و محبتنا لهم على قدر اندفاعنا وتهورنا في كرهنا لأشخاص أخرين قد نكتشف وفي وقت متأخر وحين لا ينفع الندم بأننا كنا مخطئين في تلك المحبة الكبيرة او ذلك البغض العجيب...

هذا التهور في اطلاق الأحكام وتسطيح الفكر انتج وافرز لدينا ثقافة تبنت افكارا خاطئة وأحكام مسبقة غير دقيقة لما يدورحولها وعن من تحبهم و تبغضهم لدرجة اننا اصبحنا نستشهد بأمثلة خاطئة مثل المثل الدارج "الكتاب باين من عنوانه"، في حين انه كان من الانجب والاصلح الاخذ بالمثل القائل "لا تحكم على الكتاب من غلافه او من عنوانه"...

وليكن القران ورسولنا وصحابته الكرام دليلا ونموذجا لنا في تعاملتنا مع اقراننا من البشر. قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾

وفي قصة سيدنا عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه عندما سأل عن رجلٍ ما إذا كان أحدُ الحاضرين يعرفه، فقام رجلٌ وقال : أنا أعرفه يا أمير المؤمنين.

فقال عمر : لعلّكَ جاره، فالجارُ أعلمُ النّاس بأخلاقِ جيرانه ؟
فقال الرّجلُ : لا

فقال عمر : لعلّكَ صاحبته في سَفرٍ، فالأسفار مكشفة للطباع ؟
فقال الرّجلُ : لا

فقال عمر : لعلّكَ تاجرتَ معه فعاملته بالدّرهمِ والدّينارِ، فالدّرهمُ والدّينار يكشفان معادن الرّجال ؟
فقال الرّجلُ : لا

فقال عمر : لعلّك رأيته في المسجدِ يهزُّ رأسَه قائماً وقاعداً ؟
فقال الرّجلُ : أجل

فقال عمر : اجلسْ فإنّكَ لا تعرفه

كان ابن الخطّابِ يعرِفُ أنّ المرءَ من الممكن أن يكون ذا قناع إما صالح اوغير ذلك، وكلاهما لا يمكن الحكم عليهم من المظهر او من خلال جلسة عابرة او صحبة قصير...بل هي عشرة وتعامل وصحبة طويلة تكشف الجوهر المكنون ...فكن كيسا فطنا!!

الدكتورفهد الفيفي

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

افلام اون لاين